تونس- انتخابات رئاسية في ظل جدل حول المناخ السياسي وتأثيرات إقليمية.

المؤلف: صالح عطية10.17.2025
تونس- انتخابات رئاسية في ظل جدل حول المناخ السياسي وتأثيرات إقليمية.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التونسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول، والتي لم يعد يفصلنا عنها سوى شهران ونيف، تتزايد التكهنات والتوقعات بشأن المرشحين المحتملين، الذين قد يتجاوز عددهم المائة، والذين يمثلون طيفًا واسعًا من الخلفيات والتوجهات المتباينة، والمتنافسين جميعًا على الظفر بـ "كرسي قرطاج" المرموق. على الرغم من اقتراب يوم الاقتراع، إلا أن المشهد السياسي والاجتماعي الذي يعكس استعداد البلاد لهذا الاستحقاق الانتخابي يكاد يكون خافتًا، باستثناء بعض الفيديوهات الترويجية التي ينشرها المرشحون المحتملون، وتعليقات وتحليلات السياسيين والإعلاميين على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض البرامج السياسية المتبقية في الإذاعات الخاصة، والتي انصرف معظم العاملين فيها لقضاء إجازاتهم الصيفية. ويبدو الأمر وكأن البلاد ليست على أعتاب انتخابات رئاسية يرى الجميع أهميتها القصوى، وأنها ستحدد مسار تونس ليس فقط خلال الفترة الرئاسية القادمة (2024-2029)، بل أيضًا على مستوى توجهات الدولة في العقدين المقبلين. يتحدث خبراء السياسة والمختصون في الشأن الانتخابي والمعارضون للسلطة عن "المناخ الانتخابي" كشرط أساسي لضمان مصداقية الانتخابات ونزاهتها، وفقًا للمعايير الدولية. ويشمل ذلك الحريات الإعلامية، وحرية التعبير السياسي والاجتماعي، وعدم التضييق على الأحزاب، وتوفير قانون انتخابي يسمح بمنافسة حقيقية وشفافة، والأهم من ذلك، وجود مشهد سياسي حيوي تكون فيه العملية الانتخابية نتيجة للحراك السياسي وليست العكس، كما يروج المقربون من السلطة. ومن الغرائب والعجائب في الوضع التونسي أن "المناخ الانتخابي"، الذي يخضع لمعايير دولية واضحة، أصبح محور جدل بين النخب والطبقة السياسية، وخاصة بين "معسكر الموالاة" للرئيس قيس سعيد، المعروفين بـ "أنصار 25 يوليو/تموز"، وهو التاريخ الذي يرمز إلى الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس، و"معسكر المعارضة"، الذي تتزعمه "جبهة الخلاص الوطني" بقيادة "حركة النهضة"، والجبهة الديمقراطية الممثلة في أحزاب يسارية وعلمانية وليبرالية، بالإضافة إلى شخصيات سياسية مستقلة تقف في موقع وسطي بين المعسكرين، مع ميل واضح نحو انتقاد السلطة وخياراتها ما بعد 25 يوليو/تموز.

جدل المناخ الانتخابي

أنصار الرئيس قيس سعيد وأحزاب الموالاة والشخصيات المقربة منه، يتحدثون بلهجة واثقة عن المناخ الانتخابي السليم، خاصة بعد "إنهاء الإسلام السياسي" (في إشارة إلى حركة النهضة)، وسجن من يصفونهم بـ "الخونة" و"المتآمرين" ضد الدولة التونسية (تلميحًا إلى الشخصيات العلمانية الموقوفة في قضية "التآمر على أمن الدولة")، بالإضافة إلى تنقية ما يسمونه بـ "العشرية السوداء" (2011-2021) بكل ما تحمله من أحزاب وقوانين وشخصيات وإعلاميين ومنظمات. يؤكد هؤلاء، بنبرة استعلائية، أن تونس قد استعادت حريتها بعد أن كانت "مختطفة" من قبل منظومة ما بعد الثورة، وأنها تدار اليوم بأيدي "رجال وطنيين"، وتم استعادة السيادة الوطنية التي "ارتهنت للخارج"، وأصبحت البلاد "مرتعًا للأجندات الإقليمية والدولية"، بالإضافة إلى "إيقاف نزيف تفتيت الدولة" الذي تسبب فيه النظام البرلماني، و"تطهير الإعلام" من المرتزقة والمرتبطين بأجندات ومصالح خارجية معادية للبلاد والسلطة القائمة. وبناءً على ذلك، يرون أنه لا حاجة للمعايير الدولية التي يعتبرونها جزءًا من "إملاءات الخارج" وشروطه لإجراء انتخابات على مقاسه، وبنتائج محددة سلفًا يتحكم فيها في نهاية المطاف. هذا الخطاب، الذي يتردد في بيانات حزبية وتصريحات إعلامية وتعليقات فيسبوكية مكثفة، يجد دعمًا من بعض نواب البرلمان التونسي، الذين عبر أحدهم (النائب أحمد السعيداني) عن خطاب "فاشي" و"إرهابي" عندما دعا في جلسة برلمانية علنية إلى قتل رموز فصيل سياسي (حركة النهضة)، معتبرًا أن ذلك كان يجب أن يحصل منذ عام 1987، تاريخ "تحول السابع من نوفمبر/تشرين الثاني".

المعارضة: انتقادات واسعة

في المقابل، تطل المعارضة التونسية بسردية مضادة، تطعن في المناخ الانتخابي، وتعتبره فاقدًا للشروط الدنيا لتنظيم انتخابات نزيهة يكون فيها صندوق الاقتراع هو الحكم الفيصل بين المرشحين. تختزل المعارضة تحفظاتها وانتقاداتها للمناخ الانتخابي الحالي في النقاط التالية:

مرشحون مع تأجيل التنفيذ

تشوب المناخ السياسي العام قيود على الحريات الإعلامية وتضييق على المعارضين، وإغلاق لمقرات حزبية بارزة، في ظل أجواء من الإيقافات والاعتقالات التي طالت رموزًا سياسية منذ أكثر من عام، بمن فيهم شخصيات إسلامية وعلمانية وليبرالية، وإعلاميون ومدونون وغيرهم. شملت الاعتقالات الأخيرة رئيس حزب الشعب الجمهوري، الطبيب لطفي المرايحي، الذي أعلن ترشحه للرئاسة، ليجد نفسه موقوفًا بتهمة "تبييض أموال" و"تلقي دعم مالي من الخارج بطرق غير مشروعة". كما شملت الدكتور عبد اللطيف المكي، رئيس حزب "عمل وإنجاز"، الذي أعلن ترشحه للانتخابات، فأحيل على القضاء بتهمة التورط في موت السياسي السابق الجيلاني الدبوسي في السجن عندما كان المكي وزيرًا للصحة، ليصدر قرار قضائي بمنعه من الظهور الإعلامي وعدم التنقل خارج الحي السكني الذي يقطن فيه. في سياق متصل، اتهم الوزير السابق المنذر الزنايدي بالفساد عندما كان وزيرًا للنقل خلال فترة حكم الرئيس بن علي، وذلك منذ اللحظات الأولى لظهوره الإعلامي عبر فيسبوك لانتقاد السلطة الحالية والتعبير عن نيته في الترشح. ورغم أن الزنايدي نفى هذه الاتهامات ووصفها بالشائعات المضحكة، إلا أن أوساطًا قانونية وسياسية وحقوقية لا تستبعد اعتقاله عند دخوله تونس لخوض حملته الانتخابية. بالتوازي مع ذلك، رفضت هيئة الانتخابات تمكين المرشح المحتمل غازي الشواشي، الوزير السابق والقيادي المستقيل من حزب التيار الديمقراطي، والمعتقل حاليًا في قضية "التآمر على أمن الدولة"، من استمارة التزكيات الشعبية، لاعتبارات قانونية تعتبرها الهيئة مبررة، بينما يعتبرها نجله ذريعة لمنعه من الترشح من سجنه. كما تراجع في الآونة الأخيرة حضور الإعلامي والناشط السياسي الصافي سعيد، الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية منذ فترة، بعد أن فوجئ بصدور حكم غيابي بسجنه لمدة ثمانية أشهر بتهمة الحصول على تزكيات مشبوهة في انتخابات 2019، ليدخل متاهة المحاكم وينزوي بعيدًا عن الأضواء دون الإعلان عن قراره النهائي. تجدر الإشارة إلى أن الصافي سعيد كان يحتل إحدى المراتب الأربع الأولى في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية على امتداد السنتين الماضيتين على الأقل. من جانبها، تنفي السلطة الطابع السياسي لهذه القضايا، وتؤكد أنها ملفات قضائية تأتي في إطار حملة مكافحة الفساد. كما تم اعتقال الأمين العام لحركة النهضة العجمي الوريمي مؤخرًا على خلفية مرافقته لقيادي بالحزب متهم بالإرهاب، ووجهت إليه تهمة التستر على مشتبه به بالإرهاب، وسط انتقادات من المعارضة وحتى من الخصوم السياسيين للنهضة، الذين اعتبروا إيقافه جزءًا من الترتيبات الرامية إلى توظيف "الخزان الانتخابي" لحركة النهضة لصالح مرشح السلطة.

عوائق وتضييقات

يواجه بعض المرشحين تضييقات باستخدام ما يعرف في تونس بـ "البطاقة عدد 3" (السجل العدلي)، التي تعتبر عائقًا أمام الراغبين في الترشح. في هذا السياق، أعلن المرشح المحتمل العميد السابق بالجيش التونسي والمسؤول الأمني السابق بوزارة الداخلية هشام المؤدب عن تعرض أنصاره لتضييقات عند جمع التزكيات الشعبية، واصفًا ذلك باللامعقول. يرى مراقبون أن القائمة النهائية للمرشحين للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، التي ستصدرها هيئة الانتخابات في نهاية شهر أغسطس/آب الجاري، ستكشف نوايا السلطة بشأن الانتخابات، إما من خلال تعزيز التنافسية الحقيقية وفتح المجال للمرشحين الجديين، أو من خلال تقديم مؤشر على عدم النزاهة من خلال اختيار مرشحين على مقاس السلطة وإجراء انتخابات بأشباه منافسين، بهدف ضمان ولاية رئاسية جديدة للرئيس الحالي قيس سعيد. بالطبع، يرفض أنصار الرئيس قيس سعيد هذا التأويل، ويؤكدون أن الرئيس سيحقق نصرًا ساحقًا، وأن الولاية الرئاسية المقبلة ستكون تفويضًا شعبيًا واسعًا ينتقل بالبلاد بموجبه من "الظاهر" إلى "الباطن"، في إشارة إلى الانتقال من الخطاب السياسي العام إلى البرامج والتنفيذ العملي لمشروع "25 يوليو/تموز" الرئاسي. حتى اللغة التي يستخدمها أنصار الرئيس تبدو غريبة عن الحقل الدلالي السياسي المستخدم في تونس منذ عقود، وفقًا لما يراه العديد من المعلقين السياسيين.

الترشحات الفلكلورية

ينتقد المعارضون أيضًا سماح السلطة بترشحات "فلكلورية" لا تربط أصحابها أي صلة بالعمل السياسي أو الشأن العام، ويتهمون السلطة بإغراق المشهد الانتخابي بـ "نكرات" بهدف تشتيت أصوات الناخبين وتمكين الرئيس سعيد من الفوز بشكل مريح، حتى وإن اكتفى بالنسبة التي حصل عليها الاستفتاء على الدستور (8% من حجم الناخبين المسجلين). وقد تعززت هذه القناعة عندما فوجئ المعارضون بأن أول مرشح يحصل على وصل قبول ملف ترشحه هو عامل يومي كان في السابق عونًا بوزارة الداخلية، والذي صرح بأن أحد أهم عناصر برنامجه الانتخابي هو "القضاء على الأحزاب السياسية". تعتبر الهيئة العليا للانتخابات محور النقاش الدائر في تونس بشأن نزاهة الانتخابات، نظرًا لفقدانها الاستقلالية في قراراتها وإجراءاتها، إذ يتهمها المعارضون بتبني توجهات الرئيس سعيد، ويستبعدون أن تكون عاملًا أساسيًا في ضمان نزاهة الانتخابات. كما أن الحزام الانتخابي المراقب للعملية الانتخابية (الإعلام والمنظمات المختصة في الشأن الانتخابي) قد تم "تقليم أظافره" عبر قرارات وإجراءات، كان آخرها إعلان الهيئة أنها تتمتع بالولاية العامة قانونيًا على تفاصيل العملية الانتخابية وإدارتها إعلاميًا ومراقبتها من قبل المنظمات المعنية. الأمر الذي دفع منظمة "أنا يقظ" إلى الطعن في استقلالية الهيئة وشرعيتها في الإشراف على العملية الانتخابية، فيما أعلنت نقابة الصحفيين أن هيئة الانتخابات "لا يحق لها الولاية الإعلامية في هذا الاستحقاق الانتخابي"، محذرة من قيام الهيئة بدور النقابة والمنظمات المعنية بالإعلام. تبدي الأطراف المعارضة تحفظات على استمرار الرئيس قيس سعيد في استخدام نفس الخطاب السياسي وعناوينه المعروفة، مثل "اللصوص والمتآمرين والخونة واللوبيات الفاسدة والغرف المظلمة والبائعين ذممهم للخارج والراغبين في تفتيت الدولة"، وهي العبارات التي يرون أنها تساهم في شحن المشهد الانتخابي بكمية من التشنج والتوتر والعنف اللفظي. اللافت أن هذا الخطاب الرئاسي ما يزال يجد له صدى في بعض الأوساط الشعبية والسياسية، خصوصًا الأحزاب التي كانت على هامش العملية السياسية والحكم خلال العشرية الماضية، والتي كانت توصف بـ "أحزاب الصفر فاصل". والمفارقة أن هؤلاء هم اليوم الفاعلون الأساسيون في المشهد وبعضهم من صناع القرار السياسي في البلاد. في ظل هذا المناخ العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية، ومع بداية تسليم هيئة الانتخابات وثائق اعتماد المرشحين، تجري هذه الانتخابات في أجواء إعلامية باردة يسودها الخوف من الملاحقات القضائية، مثلما جرى لصحفيين يقبعون حاليًا في السجون بسبب انتقادهم للسلطة، بينما تتحدث السلطة عن قضايا فساد مالي.

الانتخابات التونسية.. والخارج

على الرغم من أن الانتخابات شأن داخلي صرف، إلا أن بعض المراقبين يراقبون مواقف وتحركات الدول التي يعنيها الشأن التونسي، لارتباطه الإقليمي بالمغرب العربي وموقعه الجيوسياسي بين أفريقيا وأوروبا. وقد تداولت أوساط سياسية تصريحات السفير الأميركي السابق في تونس جوردن غراي الذي أبدى تشاؤمه من العملية الانتخابية، معتبرًا أنها "لن تكون نزيهة"، وأن تونس ستشهد تآكلًا غير مسبوق في الحقوق المدنية والسياسية. مما زاد من توجس المعنيين بالعملية الانتخابية تقديم إحدى الإذاعات الجزائرية سيناريو للانتخابات الرئاسية، حيث اعتبر أحد المحللين أن هناك صراعًا بين المنظومة السابقة ومنظومة ما بعد الثورة وأنصار الرئيس قيس سعيد، قبل أن تقدم الإذاعة تقديرها السياسي بالقول إن الرئيس قيس سعيد ينطلق بحظوظ وافرة للفوز بالانتخابات، وهو ما اعتبرته أوساط تونسية تقديرًا جزائريًا نابعًا من ترتيبات إقليمية، في ظل رغبة فرنسية في التغيير. لا يمكن فصل الانتخابات التونسية عن مجريات الإقليم، فمن الناحية الجيوبوليتيكية، تعتبر تونس العصب الحي لمنطقة شمال أفريقيا، وارتباطها الاقتصادي بأوروبا يجعل مكانتها أكثر تعقيدًا، ومع دخول المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، يضع ذلك السلطات التونسية في قلب "المعادلة الأفريقية"، إلى جانب الرغبة الأميركية في استبعاد تونس من الدائرة الصينية – الروسية – الإيرانية. كل ذلك يدفع "اللاعبين الدوليين" إلى الحرص على الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في تونس، الجارة المهمة لليبيا والجزائر. هل كان تصريح السفير الأميركي السابق في تونس مجرد معلومة حول ما سيحصل في الانتخابات، أم كان تحذيرًا من سيناريو ما، أم كان يحضر النخب التونسية إلى ضرورة الانتباه إلى أن الوضع في تونس لا يجب أن يتحرك بشكل غير محسوب، ولكنه يجب ألا يعود إلى ما قبل السنوات الإحدى عشرة الماضية؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة